الكاتب إدريس زوزاني

الكاتب إدريس زوزاني

الخميس، 28 أبريل 2011

"المجلس الروحاني الأيزيدي وأهمية مستواه العلمي"

تطرق مسامعنا بين الحين والآخر أصواتا لبعض المثقفين الأيزيديين الذين يطرحون أفكارا ربما تكون بعيدة نوعا ما عن ثقافة مجتمعنا الأيزيدي تطالب الإصلاحات في نظام الطبقات والشرائح الدينية العريقة لهذا المجتمع، متناسين قساوة الماضي المرير الذي ذهب ضحيته الكثير من أبناء هذا المجتمع لعدم تقبلهم الرضوخ والاستسلام إلى كيد الأعداء أثناء حملات الإبادة الجماعية لهذا المجتمع في أصعب الظروف، كما يطالبون بإلغاء العادات والتقاليد التي حافظ عليها الآباء والأجداد منذ القدم والتدخل في شؤون الطبقات المذهبية وتغييرها.
أن هذا الأمر خطير للغاية على الأقل في هذه الفترة من الزمن ولكن لهؤلاء المطالبين الحق في بعض جوانب مطالبهم ولعدة أسباب منها:
1.     إن الثقافة العامة لدى رجال الدين الأيزيدي وبالأخص أعضاء المجلس الروحاني قد تكون ضئيلة جدا إضافة إلى نقص المعلومات في مجال العلم والثقافة الدينية، عدا تلك التي أورثوها من أسلافهم وعن طريق الحفظ الشفوي، هذا إذا ما قارنا ذلك بأية شريحة أو طائفة دينية أخرى في العالم حيث نجدهم على الأغلب مسلحين بالعلم والمعرفة إضافة إلى الاعتماد على الثقافة العامة.
2.     عند تمثيلهم المجتمع الأيزيدي في المحافل الرسمية وغير الرسمية نلاحظ افتقار أعضاء المجلس الروحاني الموقر لعنصر اللباقة والحوار وانعدام القدرة في الحديث حول ابسط نقطة من ثقافة الدين الأيزيدي، غير تلك الأقوال التي حفظوها في صدورهم وحتى في ذلك لا نجدهم بارعين أثناء الشرح والتفسير غير الاعتماد على الاجتهادات الشخصية أكثر من ما هو الواقع والحقيقة، وهذه أيضا يعد من احد الأسباب الذي فتحت الباب أمام تلك المطالب لهؤلاء الأشخاص.
3.     نتيجة افتقار الجانب العلمي والثقافي المطلوب وعدم قدرة وإمكانية المجلس الروحاني القيام بتكليف احد أعضائه مع لجان مختصة من علماء الدين في زيارات تفقدية إلى مناطق تواجد المجتمع الأيزيدي لغرض تمتين أواصر الوحدة والتمسك في الترابط الاجتماعي وتجديد فكرة الآباء والأجداد في عروقهم.
4.     عدم وجود رؤية واضحة لدى المجلس الروحاني في مجال قانون الأحوال الشخصية للمجتمع الأيزيدي أدى إلى جعل الكثير من أبنائه يشعرون بصعوبة التعقيدات التشريعية والدستورية داخل المجتمع ويعود سبب ذلك إلى عدم إمكانية أعضاء المجلس الروحاني الوصول إلى المستوى الثقافي المطلوب لفهم وشرح هذه الأمور الحساسة إلى المواطن الأيزيدي.
5.     من المعروف أن أغلبية القوالين من منطقتي بعشيقة وبحزانى وهم المعنيين بنشر ثقافة الدين الأيزيدي بين المجتمع، لذلك كان من المفترض أن تكون هناك مدرسة دينية لتربية وتوعية وتثقيف القوالين وتسليحهم بالعلم والمعرفة كما كانت في السابق وحثهم على تكثيف وتطوير برنامجهم العلمي أثناء مراحل التجوال.
6.     المجلس الروحاني هو أعلى سلطة دينية للمجتمع الأيزيدي ويفضل أن يجيد أعضائه القراءة والكتابة وأن يكونوا ملمين بعلوم الدين، كي يكونوا قادرين على مناقشة الأمور الدينية بشكل مستفيض في ما بينهم على اقل تقدير، والوقوف على نقاط الخلاف وإيجاد حلول علمية صحيحة لها، كي لا يقع احدهم في مصيدة صحفي متهور كما حدث في السابق أكثر من مرة، لكن وللأسف الشديد يفتقر المجلس هذا الجانب أيضا.
وفيما يلي نبذة مختصرة حول مهام أعضاء المجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى:
يتكون المجلس الروحاني الأيزيدي من خمسة أعضاء لهم جانب كبير من الأهمية وتقع على عاتقهم المسؤولية الكاملة لما يجري لهذه الديانة ومن المفترض أن ينتخب هذا المجلس من قبل كافة شرائح المجتمع الأيزيدي، كما يجب أن يكون في عصرنا هذا اختيار مجلس كهذا حسب المؤهلات العلمية والثقافية المطلوبة، بما يليق مكانة وحجم هذا المجتمع ويكون له برنامج معين يحمل أهداف دينية واجتماعية واضحة كي لا يتجرأ أي شخص أو جهة أو أطراف المساس بثوابته.
لذا أحاول هنا الإشارة قدر الإمكان إلى بعض المهام وحجم مسؤولية كل عضو من أعضاء هذا المجلس ودوره في بناء المجتمع الأيزيدي وحسب الأولوية في الترتيب.
سمو الأمير:
تعتبر صفة الأمير من أعلى مراتب السلطة داخل المجتمع الأيزيدي ومن المفروض أن يكون التوجه من خلاله كي يأخذ المجتمع مساره الاجتماعي والديني الطبيعي، والأنسب من هذا على الشخص الذي يتسنى له تسليم هذه المهام أن يكون حائزا المواصفات والمؤهلات الثقافية والعلمية الكاملة ليكون قادرا على تحمل مسؤولية المجتمع الأيزيدي في جميع أنحاء العالم، لاعتباره الشخص الأول على رأس هرم السلطة والمعني في حماية مقدسات وشعائر هذه الديانة والممثل الشرعي لهم في جميع المحافل الرسمية، لذا تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة تجاه هذه العقيدة العريقة التي قد تكون فريسة سهلة لمن يريد المساس بمعتقداتها الدينية، والتصدي لمن يحاول التلاعب بثوابتها المقدسة.
سماحة البابا شيخ أو اختيار المركه:
يجب أن يكون سماحة البابا شيخ شخصية دينية يمتلك القدرة والموهبة الثقافية الكافية في مجال العلم والمعرفة، كونه الرئيس الروحاني للديانة الأيزيدية والرجل الثاني في المجلس، ويمثل الأيزيديين في كافة القضايا التشريعية والدينية والمذهبية، وسماحته من يقرر إلى جانب سمو الأمير ما هو الأصلح والأنسب في مسائل التحريم أو إحلال الأمور لهذه العقيدة، ولكون المجتمع الأيزيدي لا يمتلك دستور ثابت لذا على سماحته إن يكون أكثر من يتحمل مسؤولية شرخ أو تمزيق المجتمع وعليه إن يكون قادرا على ملئ الفراغ الدستوري بعلمه ومعرفته الدينية.
كبير القوالين أو رئيس الهيئة العلمية:
هو احد أهم أعضاء المجلس الروحاني، وتعتبر مرتبته من أهم وأصعب المراتب الدينية مقارنة مع مسؤوليات باقي أعضاء المجلس، وظيفته الأساسية هي الحفاظ على عراقة وأصالة الطقوس الدينية للأيزيديين، وهو المسؤول الأول عن أداء فرائض الصلاة ونشر ثقافة الدين الأيزيدي وحماية تراثه الديني والتمسك بالعادات والتقاليد التاريخية والمعتقدات الدينية لهذه الديانة، كما انه المسؤول الوحيد عن اختيار هيئة القوالين من حيث الأفضلية ويقوم بحثهم وإرشادهم على كافة جوانب العلم من حيث التثقيف والتعليم وإرسال السناجق (جولة الطاووس) إلى مناطق تواجد الأيزيدية، وبذلك يقع على عاتقه الثقل الديني الكبير، كما انه مع هيئة القوالين بمثابة الأكاديمية العلمية أو المدرسة الدينية لهذه العقيدة، لذا عليه أن يكون حائزا على شهادة علمية تتناسب ومكانته وحجم مسؤولياته المهمة لهذا المعتقد العريق.
سماحة البيش إمام:
سماحته عضو في المجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى وهو من سلالة شيوخ الشيخ حسن أو شيوخ (ملك شيخ سن ) ويعود جذور وظيفته إلى عهد (الشيخ حسن) ابن شيخ أدي الثاني ابن شيخ بركات، مهمته في المجلس المشاركة في مراسيم (السما) أو(السماء) التي هي رقصة خاصة ذات طقوس دينية متميزة لدى الأيزيديين وتجري مراسيمها في معبد لالش أثناء الأعياد الرسمية التالية: عيد مربعانية الصيف، عيد مربعانية الشتاء، عيد القوربان، عيد الجماعية، هذا ويعتبر بيش إمام الشخص الثاني إلى جانب (بيش إمام ، شرف الدين) وراء العالم الديني الذي يحمل صفة (الفقير) في المعبد والذي يترأس هيئة السما أثناء إجراء مراسيمها، وعلى الأغلب يمثل (البيش إمام )شخصية (ملك شيخ سن) في المجلس الروحاني، لذا يجب إن يكون لهذه الشخصية مؤهلات علمية كبيرة يجعله مهيئ لكافة الأسئلة عن وظيفته التي تعتبر مهمة وحساسة.
سماحة شيخ الوزير:
شيخ الوزير يمثل شيوخ الشمسانية في المجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى، إضافة إلى انه السادن على مرقد الشيخ حسن في معبد لالش، علما بان الشيخ شمس أو (شيشمس) كان وزيرا في عهد الشيخ حسن والذي كان حينها أميرا لهذه الديانة، على ما اعدم في عام 644 هـ على يد حاكم الموصل بدرالدين لؤلؤ. وعلى الأغلب نصب شيخ الوزير في المجلس الروحاني ليمثل شخصية(شيشمس) الذي كان شخصية علمية وثقافية ذو مكانة مميزة بين المجتمع الأيزيدي. لذا يفترض إن يكون سماحة شيخ الوزير حائزا على تلك الصفات العلمية والثقافية المطلوبة.
كانت هذه بعض المعلومات عن المجلس الروحاني الأعلى للمجتمع الأيزيدي الذي يجب أن يكون له القدرات والإمكانيات العلمية والثقافية الكافية كي يتمكن من السيطرة على الوضع الداخلي للبيت الأيزيدي وإسكات جميع الأفواه المطالبة بالإصلاح والتغيير والتدخل في شؤونه الدينية والمساس بثوابته الأساسية وعاداته الاجتماعية والتلاعب بمعتقداته المقدسة.
إدريس زوزاني
ألمانيا/ 28/04/2011

الاثنين، 18 أبريل 2011

"تداعيات التغيير والإصلاح وأسبابه"

 أود أن القي الضوء ضمن مقالي هذا على عدة جوانب ومصطلحات متداخلة ومتشابكة ببعضها حول هذا الموضوع، وأحاول قدر المستطاع التحدث من خلال كل مصطلح عن صدى وتأثير الإرادة السياسية التي يشكو منها الشعوب من حيث طبيعة عملها السلطوي وحكمها الاستبدادي الذي لا يتناسب مع الرغبة والإرادة الشعبية التي تطالب بنشر الوعي الديمقراطي وتعزيز الحرية التي يتطلع إليها الجماهير.

التداعيات:

تظهر تداعيات التغيير أثناء شعور المجتمعات بالغبن والظلم والاضطهاد في بلدانهم، لذلك تندفع الجماهير للمطالبة بالإصلاح السياسي واحترام سيادة القانون ومحاربة الفساد وتعزيز الحريات وتحقيق العدالة في توزيع الثروات والاعتماد على الكفاءات والمؤهلات العلمية المطلوبة والاستفادة من خبراتها من اجل تحسين أوضاع مؤسسات الدولة والاستناد على البرنامج السياسي ذو الطابع الديمقراطي الحر، كي يستطيع من خلالها الانتقال إلى دولة مدنية حديثة تضمن فيها أسس وقوانين دستورية وفق إجراء الانتخابات البرلمانية الحرة والنزيهة...

التغيير:

عندما تزداد مؤشرات عدم الاستقرار وانعدام الأمن داخل المجتمع تبدأ خطوات التغيير السياسي بالتحرك نحو الاتجاه المعاكس وتتضاعف جهود القوة البديلة كي تثبت مكانته الصائبة بين الأحداث نتيجة العوامل السلبية التي تؤثر على حالة المواطن.
ومما لاشك فيه، إن احد أهم شروط نجاح التغيير هو الانتقال من موقع نظام الاستبداد إلى أخر يؤمن بالانفتاح والديموقراطية والحرية ويجب أن يكون هذا الانفتاح على أساس تحرير الشعوب وليس ممارسة نظام التسلط والتحكم والسيطرة عليه بالقوة ومن المفروض أن تبدأ المطالبة بالتغيير من داخل المجتمع نفسه ذلك جراء غياب سلطة القانون وضغوطات الأنظمة السياسية على حساب المصلحة العامة في البلد...
ومن المؤكد أن تقوم جهة أو تنظيم سياسي بهذا الدور، ولكن ينبغي أن تتم بموافقة ومساندة الجماهير لتتمكن من كسب الشرعية وتحقيق النجاح المطلوب، بشرط أن لا تكون تلك الجهة أو القوة السياسية التي تطالب بالتغيير منحازة أو موالية إلى أطراف أخرى.
حيث ستكون هناك نتائج سلبية لمخلفات تلك السياسات التي سيكون المواطن ضحيتها ...
إن مبادئ التغيير الحقيقي هي القضاء على الفساد داخل المجتمع بكافة جوانبه سواء كان سياسيا أو إداريا أو أيا كان نوعها وان لم يتم القضاء عليها بالتأكيد سوف تكون الأولوية للنظام السلطوي الاستبدادي، ويطلق على هذه النوعية من الأنظمة بالغير ديمقراطية وهي التي لها تعددية محدودة غير مسؤولة إلى جانب غياب البرنامج السياسي المحدد لها، وفي هذه الحالة تكون ممارسة السلطة غير متكاملة وقابلة للتغيير.

الأسباب:

من أهم الأسباب الذي تطالب بها الشعوب للتغيير والإصلاح السياسي في البلد هي كالأتي:
ترويع وترهيب المواطن من خلال طريقة التعامل وسلوك الأنظمة الاستبدادية مع الشعوب.
غياب أجهزة الحماية والرقابة التي تنظم سير العمل ومنع ظاهرة تفشي الفساد الإداري والمالي في المؤسسات.
إساءة معاملة المواطن من قبل المفسدين في أجهزة السلطة بمجرد المطالبة بحقوقهم المشروعة.
شعور المواطن بالألم والمعاناة نتيجة درجات التخلف وازدياد معدل البطالة في البلد.
سلب كرامة المواطن وحرمانه من حرية الرأي والتعبير السياسي والإعلامي من قبل الأنظمة الدكتاتورية.
تجاهل النظام الديمقراطي والسعي إلى توريث واحتكار السلطة.
ضعف قنوات الاتصال ووسائل الانسجام بين السلطة الحاكمة والمجتمع.

الإصلاح:

يعد عنصر الفساد من اكبر المعوقات التي تقف في طريق الإصلاح وتشكل حاجزا كبيرا أمام قواعد بناء المجتمع وتعثر جهود الدعم وتطوير البنية الأساسية للاستثمار الوطني وتعطيل عملية دفع عجلة النمو الاقتصادي وتدني مستوى استقراره السياسي ...
لكن قوة وإرادة المجتمع هي الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه تلك المعوقات والمخلفات التي تحدث جراء السياسات الخاطئة التي تنتهجها الأنظمة الاستبدادية بحق شعوبها، حينها قد يتطلب الأمر إلى التغيير والإصلاح السياسي والإداري داخل المؤسسات والدوائر الحكومية في الدولة، ويجب أن يكون ذلك من خلال الثوابت القومية والقوانين الدستورية والشرعية التي تتطابق مع مفهوم الإصلاح الحقيقي وليس الاستناد إلى مصادر التخريب واستخدام العنف بهدف تحقيق الأهداف المطلوبة، هذا بالإضافة إلى التدقيق والتطوير في برنامج الإصلاح الاقتصادي والنهج السياسي الذي قد يؤدي إلى التخلص من هذا العنصر الفاسد الذي يولد الاستمرارية في حكم الأنظمة الديكتاتورية، هذه هي الطريقة المثالية التي يتحقق من خلالها الإصلاح وتتحرر الشعوب من مرارة القمع والاستبداد.


إدريس زوزاني

ألمانيا في 18.04.2011